في زمن المروءة والجود، كان العرب يُوقدون النار في مكان مرتفع، حتى يراها تائه في الصحراء أو عابر سبيل، فيقصدهم للأكل أو للمبيت. اليوم «ما حدا لحدا»، ليس معنيّاً بغرقك أو حرائقك أحد، بل إنّ من كان يشعل النار في الماضي ليُولم لك، هو نفسه اليوم من يضرم النار في بيتك. إنّه زمن الأنانيّة، أوصلنا إلى الإقلاع حتى عن مشاهدة نشرة الأخبار المسائيّة، كي لا يلمح لاجئ أو نازح من الخارج نور التلفزيون، فيتوهّم أنّ ضميرنا ترك له النور مُضاءً أثناء مشاهدة مأساته، ويقصدنا عند الحاجة. انفرطنا كحبّات سبحة، ولن يلملم أحد بعد اليوم حلمنا بالوحدة، فقد استفردوا بنا وطناً وطناً، حدّ اعتيادنا رؤية الدمار، ومشهد أوطان تختفي واحداً تلو الآخر تحت الأنقاض، فما عدنا معنيّين سوى بإنقاذ أنفسنا.
ومابين وعدين .. وامرأتين.. وبين قطار يجيء وآخر يمضي.. هنالك خمس دقائق.. أدعوكِ فيها لفنجان شايٍ قبيل السفر.. هنالك خمس دقائق.. بها أطمئن عليك قليلا.. وأشكوا إليكِ همومي قليلا.. وأشتمُ فيها الزمان قليلا.. هنالكَ خمسُ دقائق.. بها تقبلين حياتي قليلا.. فماذا تسمين هذا التشتت.. هذا التمزق.. هذا العذاب الطويلا الطويلا.. وكيف تكون الخيانة حلاً ؟ وكيف يكون النفاق جميلا؟
إكتشفت بعد أسبوع من المكوث مع الأخدام أنّني مجرّد أمبو في نظرهم، لا أكبر ولا أصغر، من ذلك، مهما حاولت أن أقدّم نفسي بأنني معهم إلى أبعد حد.